
كان أول ظهور للشيخ عبد ربه التائه .. حين سمع وهو ينادي " ولد تائه يا أولاد الحلال " ومن هنا تبدأ الحكاية ، ذلك الولد الذي فقده منذ أكثر من سبعين عاما .. يمثل حلمه الضائع في زحمة الحياة
ومنذ عرفه داوم على لقائه فكان " في كلامه متعة وإن استعصى على العقل أحيانا " . ولعل هذا الوصف لـ " عبد ربه التائه " يكون بمثابة المقدمة حتى لا يفاجأ القارئ بمقولاته وتصرفاته وطبيعة تركيبته التي بناها نجيب محفوظ ، وكأنا به يقدم صورة عن الحياة بكل ما فيها مجسدة بهذا الشيخ الذي ينطق بالحكمة والمعرفة والفلسفة الخاصة به ، والنابعة من تجربة طويلة بالحياة ، ومسيرتها ، بأحزانها ومتاعبها وأتراحها وشقائها وسعادتها .. الخ
وما إن يقبله في صداقته ومجالسه حتى تبدأ المقولات ، وأولها عن الحياة التي يبين فيها الشيخ منهجه ومحور طريقته : " حب الدنيا محور طريقتنا وعدونا الهروب " ، فالحياة عنده " فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان ، أما الموت فهو الحقيقة الراسخة " لذلك فهو باحث عن الخلود ، وباحث عن استمرارية الحياة " فلن يكبل الموت من يتذوق طعم الخلود "
ورغم ذلك فهو على قناعة تامة بزوال الحياة ، إلا أن هذا الأمر لن يخفف من إيمانه بها ، فهو عاشق للدنيا ، وللنساء ، والمعرفة ، والغناء ، ويرى " أن من يذم الدنيا إنما يذم ما ران عليها من فساد " ويؤكد على الإرادة والتصميم ، فهو يردد دائما " لا بارك الله في الهاربين ، وعاقبة الجبن عنده أوخم من عاقبة السلامة " . " فحب الدنيا آية من آيات الشكر، ودليل ولع بكل جميل ، وعلامة من علامات الصبر
عامر الدبك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق