انه نجيب محفوظ.. واحد من اولئك البشر الذين ما ان يصادفهم المرء حتي تكتسب حروف الكلمات بشاشه ودفئا.. فالرجل الذي احتفي به العالم كله وسلطت عليه الاضواء كما لم تسلط علي اديب مصري من قبل, واطلق عليه النقاد الاجانب القابا من قبيل بلزاك مصر وتشيكوف العرب وزولا النيل, والذي طور شكل ولغه الفن الروائي العربي لم ينتبه الغرور قط ولم يغير من عاداته اليوميه ولا جولاته في شوارع المحروسه, وعلي شاطيء نيلها بعد فوزه بجائزه نوبل او عقب تلقيه للتهديدات بالاغتيال عقب ان كفره شيوخ الارهاب.. ظل نجيب محفوظ بدماثه خلقه وادبه الجم وتواضعه الشديد يدا ممدوده مرحبه وهامه جليله, ووجها سمحا ينحني قليلا للامام عند مصافحته لاي شخص او عند مجاهدته لالتقاط الحروف المتلاحقه علي شفاه الاخرين..
سناء صليحه
ثقافه و فنون
- ذكريات (16)
- شخصيتة (11)
- عاداته (7)
- أصداء السيرة الذاتية (6)
- المقاهي (4)
- سعد زغلول (4)
- المجالس المحفوظية (3)
- الحب الاول (2)
12/03/2009
الفيلسوف العربي
يمكن القول إن الروائي نجيب محفوظ قد سد، ابتداء من مرحلته الثانية أو 'الفلسفية' كما يحلو لكثير من النقاد أن يقولوا قد سد مسد الفيلسوف العربي المستحيل الوجود (أو غير الممكن الوجود إلا بشروط قاسية، ومنها أن يكون محض فيلسوف لغة، كما هو شأن زكي الأرسوزي أو كمال الحاج مثلا، أو محض فيلسوف بالمثاقفة أو حتي بالترجمة، كما هو شأن أصحاب تلك المذاهب التي عرفت في الفكر الفلسفي العربي المعاصر باسم الوجودية أو الجوانية أو الشخصانية الإسلامية)
وبطبيعة الحال، لم يكن ثمة مناص من أن يدفع الروائي نجيب محفوظ، وهو يحاول القيام بعبء بعض من تلك المهمة التي لم يقم بها الفيلسوف العربي، ضريبة الفلسفة التي كانت في حالته مخففة، والحق يقال. فهو لم يعرف مصير العزل والصمت الإجباري الذي عرفه مفكر مثل علي عبدالرازق حاول أن يقوم بقراءة أولي ومتلعثمة لأبجدية العلمانية. كما لم يعرف مصير التراجع والإضراب الطوعي عن تطبيق منهج العقل والشك العقلي الجذري الذي عرفه مفكر مثل طه حسين بدأ حياته الفكرية بمحاولة إعادة النظر في مسلمات التاريخ العربي الإسلامي، وتابعها وختمها بتثبت تلك المسلمات بمنأي عن كل حس نقدي. فكل الثمن الذي اضطر نجيب محفوظ إلي دفعه هو امتناعه عن نشر روايته 'اولاد حارتنا' في مصر وعن إدراجها في اللائحة الرسمية لمؤلفاته
وصحيح أنه وجد في الآونة الأخيرة من حاول تحريك القضية من جديد واستعداء الناس علي مؤلف تلك الرواية باعتباره سلمان رشدي مصر، ولكن هذه المحاولة وئدت في مهدها علي مايبدو بالنظر إلي سوء توقيتها: فقد جاءت في اللحظة نفسها التي تم فيها تكريس نجيب محفوظ عالميا من خلال اختياره ليكون أول فائز عربي بجائزة نوبل للآداب
ولكن ما هي تلك المهمة أو بعض المهمة التي حاول الروائي نجيب محفوظ أن يقوم بعبئها بالنيابة عن الفيلسوف العربي المستحيل الوجود؟ إنها ، بنوع ما، علمنة الدين. وقد كانت 'أولاد حارتنا'، بالفعل، أول خطوة في هذا السبيل: أولا من حيث الشكل، وذلك عندما ألبس الروائي أنبياء البشرية الثلاثة العظام جلابيب اولاد الحارة، وثانيا من حيث المضمون عندما جعل من 'عرفة' أي المعلم اولئك الثلاثة ونبي العصور الحديثة. وقد عاد نجيب محفوظ في 'حكاية بلا بداية ولانهاية' إلي التصميم الذي بناه في 'أولاد حارتنا' ليعيد تأويله هذه المرة علي ضوء التفسير العلمي، لا الديني، للكون والطبيعة والإنسان
فنحن هذه المرة أيضا أمام أنبياء ثلاثة، ولكنهم ليسوا أنبياء الكتب المقدسة، بل أنبياء عصر العلم، خلفاء عرفة، وعلي وجه التحديد كوبرنيكوس الذي أبطل أيضا صلاحية التصور الديني التقليدي عن مركزية الأرض للكون، وداروين الذي أبطل أيضا صلاحية التصور الديني التقليدي عن مركزية الإنسان في عالم الأحياء، وفرويد الذي نفي أخيرا مركزية الشعور في عالم النفس. وواضح من هذه القصة مانقصده بمفهوم علمنة الدين
الذي لايجوز أن نخلط هنا بينه وبين مفهوم علمنة الدولة أو علمنة المجتمع . فعلمنة الدين لاتعني إلا تحقيق ثورة داخلية فيه، تشبه من بعض الأوجه الثورة التي احدثتها البرتستانتية في المسيحية والتي تمخضت عن الإصلاح الديني الكبير في القرن السادس عشر وما استتبعه من إصلاح ديني مضاد في قلب الكاثلوليكية نفسها، مما أتاح للمسيحية اجمالا أن تتحرر من التخثر الذي كانت تجمدت فيه القرون الوسطي
وعلمنة الدين تعني في المقام الثاني تحريره من المؤسسة الدينية. يتحول الدين إلي مؤسسة، كما 'تبرهن' علي ذلك 'ملحمة الحرافيش'، يكف عن أن يكون هو الدين ، ويخرج عن الهدف الذي وجد من أجله وهو طلب خير 'أولاد الحارة' جميعا بلا أستثناء أو تمييز ليصير تابعا لمؤسسة السلطة والمال في المجتمع، أي بكلمة واحدة، ليتحول أو يمسخ بالاحري من دين كوني شمولي إلي دين طبقي جزئي
وعلمنة الدين تعني في المقام الثالث إعادة توظيف قيمة في خدمة الحارة وأولادها، أي في سبيل الدنيا والإنسان، لا في سبيل الوقف وصاحب الوقف. واللاهوت الوحيد المبرر في نظر نجيب محفوظ في لاهوت العمل. والعمل، بكل معانيه هو الصلاة اليومية للإنسان المعاصر. بل قد يغلو نجيب محفوظ إلي حد اعتبار العلم مقياسا للتدين الحق. ومن هنا إدانته الصارمة لكل تلك الفئة من المتسولين عند باب الله ممن يتخذون التدين بحد ذاته حرفة وبديلا عن العمل المنتج الذي ينفعهم وينفع الناس.
ولعل نجيب محفوظ ما دان أحدا من ابطاله بقسوة مثلما دان صابر سيد الرحيمي، بطل رواية 'الطريق' لانه جعل من البحث عن الأب، أي الله في التأويل الرمزي، بديلا عن العمل يعفيه من المسئولية الإنسانية ويوفر له بلا مقابل ، وبلا تعب ولاجهد، 'معجزة الكرامة والحرية والسلام' . وبقسوة مماثلة دان نجيب محفوظ عثعان بيومي بطل روايته 'حضرة المحترم' لأنه بدوره احترف التدين وجعله وظيفة يترقي في مدارجها مثلما يتدرج موظف الدولة في مراتبه. وبذلك كان تدينه لا مرقاة للصعود إلي السماء، بل سلما للهبوط إلي قعر جهنم. وكان ماعاينه، وهو يلفظ النفس الأخير من حياته العقيمة المضيعة هباء في مطاردة شبح القداسة، ليس النور المقدس للعالم العلوي، بل النار الملعونة للعالم السفلي
جورج طرابيشي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق