
حرمان نجيب محفوظ لنا من سيرته الذاتية لم يمنعه من أن يطل علينا بأطراف منها هنا وهناك فى بعض أعماله أو كما يقول: “أنا موجود بقوة فى رواية (قشتمر) هى نوع من السيرة الذاتية من خلال أربعة أبطال ومصر، وأنا الذى أتكلم وأروى فى رواية “قشتمر
أيضا هناك أجزاء من هذه السيرة فى “المرايا” و “الثلاثية” و “صباح الورد
أماأصداء السيرة الذاتية” فهى تقطير لأصداء بعيدة حاولت استقطارها أو استحضارها من عالم مضي، حاولت أن أجئ به، وما كتبته فى الأصداء إنما هو أصداء كاتب لم يتمكن من كتابة تفاصيل حياته، فلم يبق له غير المعنى العام
أما أين شخصية نجيب محفوظ نفسه من كل ماكتب، فقد اعترف بشكل محدد “أنا كمال عبدالجواد” فى الثلاثية، إنه يحمل خمسين فى المائة من واقعي،ولكن بشكل مروي، ولكن مع ملاحظة أن التركيز الروائى تم على أزمنة العقلية. كما أشعر أنى قريب من عبدالجواد - الأب فى سى السيد فى الثلاثية - فهو منفتح على الحياة فى جميع جوانبها، وهو يحب أصدقاءه ولا يؤذى أحدا عن عمد على الإطلاق، والشخصيتان معا تمثلان نصفى شخصيتي، فعبدالجواد اجتماعى وجاد ومثالي
ثمة اعتراف آخر لمحفوظ يتعلق بتجربته مع الحب والتى عبر عنها روائيا فى قصته مع “عايدة شداد” أو كما يذكر “استطيع أن أقول إن ما كتبته فى “قصر الشوق” يمثل جوهر تلك القصة وهو الحب الأول فى حياته”. وهكذا آثر محفوظ أن يبث سيرته فى فنه لأن المجتمع كان يزداد تحفظا وتزمتا
ثم جاءت الطعنة الغادرة من “سماك” لم يقرأ لمحفوظ حرفاً ليكون ذلك هو القول الفصل لإلغاء أى نوع من التفكير بالنسبة لنجيب محفوظ فى أن يكتب سيرته الذاتية رغم شعوره بقيمته وأهمية دوره فى حياتنا الأدبية والثقافية. إنه كان بين نارين، إما أن يكتبها وتفتح عليه أبواب جهنم من الجهلاء والأغبياء ومحدودى الفهم، وإما ألا يكتب سيرته، وتفتح عليه أبواب المزايدات، فاختار الطريق الأول وهو أخف الضررين، إيمانا منه بأن العمل الأدبى هو الذى يعبر عنه فكريا وذاتيا
جريدة العربي -إبراهيم عبدالعزيز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق